محمد فاروق الإمام
في كلام غير مسؤول يدل على أن السيد وزير خارجية سورية وليد المعلم يعطي انطباعاً بأن نظامه واقع في (زنقة) تشبه إلى حد بعيد (زنقة) نظام القذافي في بداية أحداث ليبيا عندما خرج علينا ابنه سيف الإسلام ليردد في مؤتمر صحفي كلماته البذيئة: (طز بالعرب.. طز بالجامعة العربية.. طز بأمريكا.. طز بأوروبا)، ثم جاء القذافي نفسه ليردد نفس الكلمات، لتتبعه ابنته الدكتورة عائشة لتتلفظ بنفس العبارات أمام حشد جماهيري مبرمج، وتبعهم موسى الناطق الرسمي للنظام القذافي في مؤتمر صحفي له وردد نفس العبارات.
وليد المعلم وزير الخارجية والمغتربين السوري بدأ كلمته في مؤتمره الصحفي يوم أمس الأربعاء 22 حزيران، الذي حضره مجموعة من الصحفيين والإعلاميين الرسميين، وبعض المراسلين العرب والأجانب المرضي عنهم من قبل النظام، وبعض المسؤولين السوريين، بدأ كلمته بهدوء وابتسامة متكلفة، محاولاً الرصانة في الحديث والابتعاد عن التشنج والانفعال إلى أن خانته تلك الرصانة فخرج عن توازنه وهو يدعو الغرب إلى: (عدم التدخل بالشأن السوري وعدم إثارة الفوضى والفتنة)، معتبراً أن العقوبات الأوروبية على سورية (بمنزلة حرب)، وصعّد المعلم في لهجته عندما قال: (إن سورية ستنسى أن أوروبا على الخريطة وسأوصي قيادتي بتجميد عضويتنا في الاتحاد من أجل المتوسط، وسنتجه شرقاً وجنوباً وبكل اتجاه يمد يده لسورية)، مبشراً بديمقراطية فريدة ستكون (نموذجاً ديمقراطياً غير مسبوق صنعه السوريون بأيديهم وعبر حوارهم الوطني).
ولم تسلم تركيا من كلمات الوزير المعلم اللاذعة عندما رفض قبول النصائح التي قدمها القادة الأتراك لبشار قائلاً: (إن سورية لا تأخذ دروساً من أحد، وبعد الإصلاح ستقدم للآخرين دروساً في الديمقراطية)، ثم غمز مهدداً تركيا بما تملكه سورية من أوراق لها فعلها على الجانب التركي بقوله: (لدينا أكثر من 850 كم من الحدود المشتركة نؤثر عليها ويؤثرون عليها).
ثم ينزل المعلم في نهاية كلمته إلى مستوى هابط لم نعهده منه، وقد تكون وقع الأحداث الكبيرة التي يعيشها النظام قد أفقدته توازنه ورصانته ليختمها بقوله: (القافلة السورية ستسير مهما عوت الكلاب)، ويقصد هنا الغرب وأمريكا وتركيا.
المعلم في هجومه على أوروبا وإقصائه لهذه القارة من خارطة العالم القديم وعدم تهيّبه لكل ما تفرضه من عقوبات بحق النظام ورموزه وشركاته والمتعاونين معه من خارج الوطن تجعلنا ننظر إلى ما بعد هذه التصريحات النارية القوية لنتساءل: هل ستعلن دول الإتحاد الأوروبي النفير العام لمواجهة التهديدات السورية، وهل سنشاهد شعوب هذه الدول تهرع إلى الملاجئ تحت الأرض تفادياً لصواريخ المعلم العابرة للقارات، وهل ستصاب عاصمتها السياسية بروكسل والجنائية لاهاي والاقتصادية فرانكفورت بالرعب وتتشح بالسواد وتنكس الأعلام خوفاً من مقاطعة المعلم لها ومحاصرة أوروبا بتجميد عضويته في دول إتحاد المتوسط، وهل سنسمع النداءات تتصاعد من دول العالم والأمم المتحدة مناشدة سورية بالإشفاق على شعوب أوربا التي تعيش في كنف دول ديكتاتورية لا حول لها ولا قوة، ولا ناقة ولا جمل لها فيما تفعله قياداتهم المستبدة.
السيد وليد المعلم اتهم فرنسا في مؤتمره الصحفي بأنها تريد إنتاج ماضيها الاستعماري فقط لأنها تطلب من النظام السوري أن يعامل الشعب السوري المعاملة التي تليق بالإنسان وليس أن يقفز الشبيحة على صدور الناس وظهورهم وصفع وجوههم بالأحذية بعد تكبيل أيديهم إلى الخلف بالساحات العامة كما حدث في قرية البيضا، وقيام رجال المخابرات بقلع أظافر الأطفال وتعذيبهم في أقبية التحقيق حتى الموت والتمثيل بجثثهم كما تم مع الطفل حمزة الخطيب، واغتصاب النساء أمام أعين ذويهم، ونشر القناصة من مجرمي أمنه ومخابراته ورجال حزب الله والإيرانيين على أسطح دور الحكومة والمؤسسات الرسمية وعند كل ساحة وشارع وزقاق ليقنصوا بدم بارد المحتجين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية، واقتحام شبيحة النظام لحرم جامعتي دمشق وحلب وقمع الطلبة واعتقالهم وقتل بعضهم وتدمير محتويات غرفهم، ومحاصرة المدن واستباحتها ومنع الماء والدواء والغذاء وحليب الأطفال والاتصالات عنها، ودفع الناس إلى ترك بيوتهم هرباً من قمعهم الدموي إلى خارج الحدود طلباً للنجاة.
فما بال هذا النظام يرى القذى في عيون الآخرين ولا يرى الخشب في عيونه، وسجل تاريخه الرعيب والبئيس مع الشعب السوري والأشقاء الفلسطينيين والأشقاء اللبنانيين والإخوة العراقيين، منذ ما يقرب من نصف قرن من اقتناصه الحكم في دمشق، قاني السواد يحتاج إلى سفر بآلاف الصفحات لرواية حكاياه وقصصه وعذاباته ومآسيه!!
المعلم نسي كم قبّل النظام السوري يد فرنسا كي تعيده إلى الحظيرة الدولية, فمن غير شيراك استقبل بشار الأسد قبل أن ينصب رئيساً لسورية تسويقاً وقبولاً به، ومن غير ساركوزي قدم بشار في المحافل الدولية وأقنع أمريكا والغرب بالتعامل معه والاعتراف به، ومن غير تركيا فتحت صدرها لهذا النظام وأخرجته من عزلته وفكت الحصار عنه وأقامت معه تحالفاً استراتيجياً وربطت مصيرها بمصيره وسوقته عالمياً.. هل نسيتم كل ذلك يا من تعضون اليد التي تمتد إليكم؟
قد يظن النظام السوري – واهماً - أن موسكو وبكين ستكفيانه مؤونة القابل من الأيام التي تنتظره، وهما اللتان تنكرتا للقذافي الذي أغرق خزائنها بمليارات الدولارات، ويظن – خادعاً نفسه - أن حفنة العملاء والمطبلين والمزمرين والهتافين من أبواق إعلامكم الوضيع وببغاوات لبنان الذين يغيرون أقنعة وجوههم ومواقفهم السياسية كما يغيرون ملابسهم الداخلية سيبيضون صفحته المخضبة بقاني دماء السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين التي سفحت على أيدي قتلته ومجرميه؟!
أخيراً أقول للمعلم ونظامه ما قاله برنارد راسل: من علامات الانهيار العصبي أن يظن الإنسان أن ما يفعله في غاية الأهمية، وما قال جوناثان سويفت: الغرور دليل على الذل أكثر منه دليل على الكبر، وما قاله الأوائل: السَّرْج المُذهَّب لا يجعلُ الحمار حصاناً فاعرفوا حجمكم وتوقفوا عن دفع سورية إلى المجهول!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق