بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية في سوريا، وبعد غياب طال نحو شهرين عن خطابه الأول، ألقى الرئيس السوري بشار الأسد خطابا ثالثا تحدث فيه مجددا عن إصلاحات، ورفض فيه الحوار مع من أسماهم المخربين.
مرة أخرى، انتظر الأسد ربما أكثر من اللازم قبل خطابه للشعب، ولكنه اعترف هذه المرة بأن ذلك تسبب في شائعات، وإن كان أشار إلى أنه انشغل في اللقاءات مع الفعاليات الشعبية للوقوف على مطالب المواطنين عن كثب، كما قال.
المخربون والمسلحون
ومنذ الخطاب الأول وحتى الثالث، ارتفع سقف المطالب الشعبية في سوريا لتنتقل من المطالبة بالإصلاحات إلى الدعوة إلى سقوط النظام وبشار الأسد شخصيا وحزب البعث الذي يترأسه، ولكن الرئيس السوري أصر مجددا على تكرار مصطلح المخربين أو المطلوبين الذين قال إن عددهم وصل لنحو 64 ألفا إضافة إلى المسلحين، رافضا الحوار مع هؤلاء، وقال إنه سيهتم بمطالب المواطنين.
وقد وعد الأسد في خطابه الثاني بإلغاء قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة ووفى بوعده، ولكن القبضة الأمنية اشتدت على المتظاهرين الذين قتلت قوات الجيش والأمن والعناصر التي باتت تعرف بالشبيحة أكثر من 1300 منهم، فيما انطلقت آليات الجيش لملاحقة الانتفاضات الشعبية، بدءا من درعا التي نكبت بحصار طويل، ومرورا بتلكلخ على الحدود مع لبنان، وليس انتهاء بجسر الشغور على الحدود مع تركيا.
ولم ينس الأسد الحديث عن "المؤامرات الخارجية" التي تحاك ضد بلاده -وهي المقولة التي رددها الإعلام السوري كثيرا، في إشارة لموقف الممانعة الذي اتخذته دمشق في التعامل مع الصراع العربي لإسرائيل- إلا أن إجراءات الرئيس الشاب على الأرض لم تأخذ بعين الاعتبار صيانة الموقف السوري بتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الحريات والديمقراطية، وذلك كما يقول منتقدوه.
ومن اللافت للانتباه أن أشد الإجراءات الأمنية ضد المتظاهرين كانت تلك التي تلت خطاب الأسد الثاني في أبريل/نيسان، الذي تعهد فيه بحزمة إصلاحات واسعة. وأدى ذلك إلى إشاعة المزيد من أجواء الإحباط لدى الناس الذين ازدادت جرأتهم في تحدي قمع النظام الذي قالت منظمات حقوقية إنه وصل لمستويات قياسية في قتل المتظاهرين والتنكيل بهم، فضلا عن الصور التي نقلتها مواقع على الإنترنت لتنكيل مسلحين بلباس مدني بالمتظاهرين.
ويلاحظ أيضا أن الرئيس السوري -الذي بدأ خطابه الأول في 30 مارس/آذار وكان واثقا من نفسه ومبتسما- بدا في وضع غير مريح بعض الشيء في الخطاب الأخير، وهو يحاول معالجة قضية أكثر من عشرة آلاف فروا إلى تركيا، داعيا إياهم للعودة إلى بلادهم دون الخوف من الانتقام.
إصلاحات بالخطابات
ورغم أن الإصلاحات تجاوزها الشارع السوري، فإن الوعود الجديدة -التي كررها الرئيس السوري بقوانين جديدة للانتخابات البرلمانية والسماح بإنشاء أحزاب سياسية وإطلاق حرية وسائل الإعلام- ارتبطت بحوار وطني لا يعرف مدى تمثيل المطالبين بالحرية والديمقراطية فيه، فضلا عن التلويح بإمكانية تأجيل انتخاب مجلس النواب وفقا لهذه الرزمة.
وكما حصل في المرات السابقة، فقد خرج مئات الآلاف من السوريين للشوارع تنديدا بالنظام بعد الخطاب، وهو أمر أشار له المعارض السوري وليد البني الذي قال إن "النظام لا يدرك أن هذه حركة جماعية في الشوارع تطالب بالحرية والكرامة".
ويرى المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة، أن هذه الكلمة الأخيرة للأسد ستقوي حركة الاحتجاجات فيما يتعلق بالرغبة في تغيير النظام، مضيفا أن المتظاهرين يصبحون أكثر حماسة بعد كل خطاب للأسد، لأنه "لا يقدم لهم سوى جمل معسولة".
عين على روسيا والصين
جاء الخطاب الثالث للأسد في وقت ازدادت فيه العقوبات الأميركية والأوروبية على النظام السوري، وإن كانت هذه الخطوات لم تصل إلى القسوة التي تهدد النظام بأكمله أو تدفعه للإسراع في التعامل مع الأزمة.
ولكن يبدو أن الرئيس السوري سعى هذه المرة لتعزيز موقف روسيا والصين الرافضتين لفرض عقوبات أممية على النظام السوري، والحصول بالتالي على المزيد من الوقت لمعالجة الأزمة المتصاعدة في بلاده.
ومع ذلك، يتجه النظام السوري إلى خسارة حليف إستراتيجي، وهو تركيا التي استمرت في دعوتها له إلى الجدية في الإصلاحات والتوقف عن قمع المتظاهرين، دون جدوى.
ومع احتجاجات تتدحرج من مدينة إلى أخرى ومن بلدة إلى التي تليها ومن قرية إلى التي تجاورها، لا يبدو أن أسلوب الخطابات -الذي أجاده الأسد في التعامل مع القضايا الإقليمية- قادر على إقناع جماهير الناس برغبته الجادة في التغيير، أو إمكانية الثقة في نظام أسال دم الكثيرين في الشوارع، الأمر الذي يشير إلى أن أفق الأزمة ما زال عصيا على الحل، ما لم تترجم مطالب الناس إلى واقع ملموس على الأرض.
(الجزيرة نت)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق